حتى لا ننسى
لقد كان لجميعنا الشرف والفخر أن شهدنا اللحظة الرائعة التي سقط فيها الطاغية... لقد كان لبعضنا شرف الإيمان بتلك اللحظة ولبعضنا الآخر شرف العمل من أجلها، ولبعضنا الآخر المساهمة في ولادتها لحظة انبجاسها، وكان للبعض الحرص على الإمساك بها حتى لا تفلت من بين أيدينا.. ونحن نقبل على اختبار إنجاح أول وأهم محطة ديمقراطية وجب علينا أن ننبه إلى أن حماسة التنافس قد تنزلق بنا إلى نسيان أمر مهم يكون بابا مشرعا لإهدار الثورة..
إن أهم ما يجب أن نذكره ونستذكره باستمرار شهداء هذا الوطن الذين أزهقت أرواحهم في ساحات المواجهة وفي مقدمتهم من اغتيلوا لإخماد أصواتهم مع أنفاسهم والثأر منهم لعدم انصياعهم والتخلص منهم لعجز مغتاليهم عن ترويضهم .. فضلا عمن استشهدوا تحت التعذيب وفي أقبية السجون .. إن ذكرى هؤلاء ستظل تؤرقنا ما لم نبلغ مدى الأحلام التي تعلقت بها هممهم إنجازا وتحقيقا.. إن الشرف العظيم الذي نالوه مرتبط بمدى الكرم الذي بدوا عليه والسخاء الذي جسدوه ببذلهم أنفسهم الطاهرة ودماءهم الزكية التي ستظل دينا في رقابنا حتى ننجز آمالهم ونحول أحلامهم واقعا...
ومن بين ما يجب ألا ننساه... وأن نذكره بكل الاحترام والإجلال اللائقين سخاء المناضلين الذين ثابروا وصمدوا وثبتوا أمام الديكتاتورية كل بقدر طاقته وبحجم احتماله.. سواء بانضمامه إلى حركة سرية أو بصوت جهير حسب الموقع الذي ارتآه أو ارتضاه أو استطاعه .. وفي مقدمتهم من شردوا وعطلوا وهجروا وعلى رأسهم جميعا من دفعوا من عمرهم سنوات من السجن وذاقوا صنوف العذاب والتعذيب ..وعاشت أسرهم أصناف المعاناة بسبب ذلك
إنّ الضمير الإنساني والوطني سيظل مدينا لهؤلاء ومهما فعلنا لن نفي هؤلاء شيئا من الدين الذي لهم علينا.. يجب ألا ننسى عطاء هؤلاء ما حيينا.. لا لأنّ في ذلك اعتراف بالجميل فحسب بل لأنّ نسيان ذلك يعني حتما ضعفا في الالتزام بتحقيق الأهداف التي رسمنا للمستقبل وانفصام تعهد بإنجاز الحلم الذي اشتركنا فيه .. وهو تنكر للحق وباب للارتداد.
أيها الرفاق إن التزامنا تجاه هؤلاء المناضلين يجب ألا يضعفه عنوان حزبي أو لون فكري أو خلاف سياسي أو تنافس انتخابي .. إنّ قيادتكم تنظر إلى هؤلاء في مختلف مواقعهم التي تموقعوا فيها وبمختلف اختياراتهم الوطنية التي ارتضوها نظرة إكبار وعرفان لن تهزها اجتهادات مهما تباعدت واختلافات مهما احتدت وخلافات مهما عمقت مادامت لم تلمس السقف الوطني وتخترق النسيج الاجتماعي وتنقلب على الخيار الديمقراطي... إن ضمائرنا ونفوسنا ستظل مشدودة إلى كل لحظة عذاب عاشها هؤلاء وأهاليهم وسوف نظل عاجزين مهما بذلنا على تعويضهم معاناتهم.. إن آلامهم ترهق أرواحنا التي لن تطمئن إلا بتحقيق العدالة والحرية والكرامة والديمقراطية....إن قيادتكم تدعوكم إلى الوقوف مثلها إجلالا وإكراما لشهداء الثورة وشهداء الحرية الذين قضوا تحت التعذيب أو الاغتيال ..وبالمثل تدعوكم للوقوف احتراما وإكبارا لكل من سرقت منه زنازين السجن جزءا من عمره ولكل من أذاقته سياط الجلادين عذاب من لا قلب لهم.. لكل أم وأب وابن وبنت وحبيب وحبيبة انفطر قلبه بسبب ما حدث... إلى كل من شرد وعطل ومن أفنى عمره في سبيل تونس ...في سبيلنا... في سبيل أبنائها...أبناءنا... الكثير من الاحترام والكثير من العرفان والكثير من الحياء... إن قيادتكم تعتبر هذا السلوك ثابتا من ثوابت حزبكم وجزءا من قيمه وإن كانت تدعوكم إلى مقارعة أعداء الديمقراطية ودك أسس الفساد والاستبداد سياسيا والثبات على المبادئ والنضال في سبيل إعلائها وترسيخها ببسالة فإنها تدعوكم إلى القيام بذلك بنبل وبسمو ورفعة ومبدئية وأخلاق وذاكرة يقظة لا تنسى أن منافسينا هم شركاؤنا في الوطن وأنّ مبادئكم تتظلل بأخلاق لا تتهاوى بها الاختلافات وأن الخلافات يجب ألا تجرنا إلى التنكر والإنكار.. إن اللحظة التي كان لنا شرف أن عشناها كل بطريقته وكل من موقعه وبقدر همته وانجذابه وعطائه.. قد تنزلق من بين أصابعنا بعد أن أمسكنا بها إذا غفلنا أو تغافلنا.. وتصبح جزءا من ماض نبكيه عوض أن تظل جزء من مستقبل ننجذب إليه ونعمل على صنعه وإدامته...قد تضيع منا ونضيع.. إذا أنكرنا وتنكرنا... أو استهنا وتعاونا... لنتنافس مع شركاء الوطن.. مادام السقف الذي يجمعنا واحد والخيمة التي تجعنا واحدة.. وليكن صراعنا محكوما بأخلاق التنافس وشرف خدمة الوطن والوفاء والعرفان لمن ضحوا والالتزام بحقوق أبناء شعبنا البسطاء والمهمشين والمفقرين ولانتصار للسيادة الوطنية وحقوق الأمة
0 commentaires:
إرسال تعليق