أحدوثة ركض على حاشية ميّت |شعر|رياض الشرايطي
أحدوثة ركض على حاشية ميّت |شعر|رياض الشرايطي
أحدوثة ركض على حاشية ميّت |شعر|رياض الشرايطي
إلي روح المرحوم الشّاعر كاظم الثليجاني .
عمُر مرّ ، و نفاية جسد إنتصب ذاكرة مشروخة في عنق حفْرة دكّها النسْيان.
لننْهِ النّحيب لحظة و الإنتباه إلى مسلك الوجع المنتهي بي ،،
أسألكم ، رغم أنّي أعرف جيّدا أنّ طرق بابكم عاصفة تنتاب دمي الغائب ، و تسرق العصافير من فوق شاهدتي المشقوقة مثل قلوبكم المولعة بإسكات الشّرايين المُمْتدّة إلى حدّ صراخ الجسد / الحطب .
أسألكم و لكم أن تسألوني كيف أستقبلكم هذه اللّيلة في موتي ؟ و كيف جعلت عظامي تمضغ أسماءكم جميعا ؟ .
بارجة الرّمل عاودت الرّجوع إليّ في هذا الوقت المتّسع لليل لغة الهذيان و الجنون ، كي توقظ فيَّ شهوة قديمة ،، السُّكْر حدّ الموت !!!.
هل أرجعتكم اللّيلة إلى دفّة نخاعي المتخشّب كي أقرأ على كراريسكم فعل الجحود و فقدان الذّاكرة ، و أعيد بناءكم دقيقة فقط في هذا الدّمس المجعّد بطبوغرافيا الحُمْق ؟؟.
حسنا لكم ليلتي هذه ، و لكم أن تسهرونها مضرّجة بأرق موتي و ورقي و أسوار فكري المخلوع . هذه اللّيلة أفتح لكم موتي ...
من أين نبدأ إذًا ؟؟
من أجسامكم ، أطروحة مجامر الحمقى ؟ من حديقة المقبرة ، المقابلة تماما لضريحي المسوّر ، و المترعة بالمريا المسمولة و عطور برائحة القيْحِ ، و ذكرى مواعيد بلون الجيفة ؟ من أكداس الملح الممدّدة بينكم و بينكم ؟؟
من أين نبدأ إذا ؟؟.
قلتم : جئناك اللّيلة بكلّ الفوانيس المطفأة ، و الأبواب المحروقة ، و بالنعْناع المجبول بلثام الطّحلب ، جئناك اللّيلة لننام على طاولتك الملتصقة بالتّراب و بخطوات الوداع و تمائم المخدوعين و بيَدٍ مرصّعة بغبار المدن ،،، مدن عارية لشهوة مشنوقة راودتنا كثيرا ،، قتلتْك قبل حلول حَوْل جديد .
لماذا هربت منّا و لم تتركنا نعبث بدَوِيِّ كوفيتك قليلا ؟ و نزدحم بتضاريس حروفك المبعثرة بين قوارير الجعَّة ، و الحمام ؟.
قلتم : لتبدأ الغوص في سُمْكِ تعبنا .
اللّيلة قرّرت أن أسبح معكم في مذاق نبيذكم المخلوط بعرق لساني ،، كم إشتقت للساني و التّرشّف من القارورة مباشرة و تذوّق لسع جهنّم العنب ،، و لكن فمي أضحى ثقبا يعبر منه كلّ الماء و الأساطير و قوافل عروق الأرض .
سأقول لكم أنّني نسيت وجوهكم ، فأنا لم أتأمّلها كثيرا في السّابق حتّى تنقش على حيطان الجمجمة .
البارحة حضر إليّ ضجيج مجلسكم و موت صوت فيروز على أطراف حديثكم العقيم ، و لم تنتبهوا حتّى إلى كلامكم الغير مسموع ، فعبرْت بوّابة لحْدي و إلْتحقت بسقْف حانتكم ، فوجدت اللّيل في شفاهكم يتلطّخ بميثاق الهوس الوحشيّ ،، و أنتم مزيج من جذور صبّار مظلم و أجسام تترنّح في قلب مشهد فتنة سلالات الحمقى ،،، هربت إلى ناحية إطار مفتول بقطْران سجائرالسّكارى ، كتب وسطه تماما " لا غالب للخمّار " ، فاخْتفيْت تحت سيّد الحروف بها و بقيت أراقب إرتجاف الفضاء الثّمل تحت سنابك فذْلكتكم الذّبائحية . و مثلي كان جالسا كخاتم المهابيل ، و بدتْ على أنامله جغرافية تحليق القبّرات ، يرمق لعابكم المتخثّر المتناثر من أنحاء هاوية حناجركم المعجونة بأمنية الإنتحار .
قلتم : أجمل ما في الكون ، الإنتحار!!!!!.
أتودّون الموت حقّا ، أم أنتم تؤثّثون بها مجالسكم المتّسخة بجير الجرائد الرّديئة و عناوين كتب تزعمون قراءتها كذبا ،؟؟؟
قلتم : أعدَدنا إلى شهقة المدافن روعتها .
و خرجتم تتلقّفون ليل المدينة في " صَحْفَة لَبْلَابِى " معجونة بقواعد النّوم البليد.
هل تتذكّرون تضوّع آخر سجائري بين أصابعي ، و رائحة الفلْفل في صحني ؟ كم كنت أحبّ حريق الفلفل في ثغري ،، هل تتذكّرون مشاكستي لرجال الشرطة ليلا و أنا في عزّ سكْرتي ، و خجلي الكثير صباحا ؟؟ كنت أبدأ خمري بثمن حليب وَلَدي ، و أختمه بصكّ أوفّر رصيده إقتراضا في الغد . لا تتحرّجوا ، أعرف أنّكم نسيتم كلّ ذلك ، يا أصحابا تتجمهر في دمائهم كلّ لغات اللّؤم و حمّى إفتعال النسيان .
هذا أنا الآن ،
مطعون بجنوب مدفني..
و قد طفرت من بين ظلوعي
غلالات الثّعابين أفرشها شهوة للحياة،
كي أستنْبت ما يحدث في أعنّة إنخطاف مائي ،
حين تحلّون ،،..
قلتم : لقد تركتنا صغارا و مضيت إلى غابة الشّموع الكئيبة ، و رشَشْت وراءك تجويفات النسيان ،، لقد هتفْنا كثيرا باسمك و نفخْنا في أبواب قفصة المرصّصة بالعويل المشبّع بشبّ الدّموع حتّى نراك ، و لكن التّراب صعدك مسرعا ، و تفتّحت على لحدك زهرة البدر.
زهرة البدر أخبرتني أنّ رجل الخمر بالبلاد (بوراوي) قد ودّع الخمر ،، قالت ، خاف أن يفاجئه الطّين و هو مملوء بروح الأعناب ، و لم يعبئ بالمدينة و هي ترّتخي ، و نور غبشها مع قارورته المنفية و تجوّساته عبر مكامن عشّاقه.
جلال الدّين الرّمي قال : " المعشوق هو الحيّ أمّا العاشق فميّت " .
قلتم : يلزمنا زمن نشور تنتهي بتخومه نكهة فراشات النسيان ، حتّى تتذكّر المدينة .
ما آلتْ إليه المدينة التي أسّست فيها شهقتي و موتي ؟
ما آلتْ إليه المدينة و غبارها المسكون بشذاكم و أنتم تحكمون جنونها ؟
قلتم : الذي يحكمها جنون موتاها ....و أنت ما الذي لقّنك الرّدى ؟
لقّنني أن أجاوره كي أشاهد عشب الحداد يتسلّق ألْواح يقضتكم ،، وحده السّواد يعرف سفك فواتح العالم ،، و وحده الوقت يفتضّ سرّكم ،، و وحده المكان يفقه تعريشات يتمكم .
اليتم قارة غائبة يهزّها دقّ طبول غرائبية تتسلّل في ظلالكم خرافة ممهورة بكيمياء الغياب .
هذه اللّيلة يلزمني حمق كثير حتّى أهبط أدراج منعطفات دمائكم السهرانة على سِدْرة الدّراويش .مطر بدثار عنقاء الإسفلت ،
حجر يقتل مرابض الأنجم،
فاكهة السمّ ،
عصفورة الموت ،
شبّ الصّبر الموزّع على منافذ خشب الصّدر ،
قامة الخمر المذبوح على علامات الفراق الكثيف ،،
الفراق ، خيمتنا ما قبل الولادة ،
الولادة ، إبتداء الموت ........قلتم : قال محمّد بنيس في كتابه ( حداثة السّؤال ) : " بوركْت أيّتها السيّدة الميّتة قبل أوان الموت " .
أفضي إليكم بسرّ ،، لقد إنتاني شيء من النّدم عن الرّحيل تحت إزار المفاجأة و ترْك الشّمس مبتورة خيوطها ، كان من الأجدر أن أرتّب سفري و أورّثكم دمي ..
يا دمي ،، ألهوْدجٍ مدوّخ بالطّين المجهول المعجون بوهاد النسيان ألْثم مقافل بوّابة إحتدامات شجرة الشهوة و شبابيك الفرح القاتمة ؟ .ألفرح شربني ليلة ميلاد صحراء الهذيان ، كم من أنثى كان لي أن أتيه بين هرميها و تذوّق قمح لحمها الرّؤوم ؟.
يا دمي ، لك أن تبلّل خصلات غزلاتك بنزفي .
قلتم : إنتهى اللّيل و لنا بعد هذا النّهار الآتي ، خمر آت .
لماذا لا تتوقّفون كالعادة حذو بائع السّجائر و تكملون الحديث عن الذي ترككم للتَوِّ ممتطيا درّاجته النّارية الحكيمة في معرفة مضارب المجنونة به و عليه .
قلتم : دائم التفكير في الإنتحار ، يعطّل فلسفتنا في الثّقافة .
و ما الثّقافة يا ترى ؟؟.
إنّها المسار التّاريخيّ في إنتاج السّلع الماديّة التى رافقت مسار الإنسان ، إنها نتاج المجتمع الإنسانيّ الممتدّ بين الولادة و الموت .
قلتم : إديولوجيا الحياة أكلتك حدّ العدم .
أحبولة الوجع المرصّع بغثيانكم تبعث فيّ شهوة إلقاء ما لم يأكله التّراب ، شِعْري ، لعلّكم منه تصنعون أرائك لتراجم ذواتكم العليلة ،، و تتغطّون بشعائر لزجة يؤمّها عماء حروفكم المؤجّلة ، للإنحلال في فقه التّوابيت .
الشّمس أراها تسطع وراء هاماتكم الملفوفة بسماد النّفاق ،، فلْتضعوا أقتعتكم الآن ، أعلم أنّكم إنْ لم تضعوها فهي ستضعكم .
الوَضَعة ملتحمة بالإنسان ، و ما هو خارج عنها نسبه للسّماء ،، هكذا نروم الفرار من عدمنا .
قلتم : قمْ قليلا من سهوك عن التى قرأتك على تِبْر اللّقء بين أصقاع قفصة المشبوهة بإنبعاث ربّ القنوط ، سنبلة الصّوت البدين في أثير البهجة .
أحبولة الوجع المرصّع بغثيانكم تبعث فيّ شهوة إنغراس أعقاب السّجائر في اللّحم المضرّج بالسّبات .
أكره النّوم على فراش سنبلة الصّوت - صبيّة الجفون الرّاكضة في ألمي.
صبيّة الجفون تتّقد خوفا من مسالك عتمة التّراب .
الموت ، إنتهاء قصيدة لم تنتهي ،، و بكاء صبيّة كم وددْت عناقها ، و أمّ ،، آه يا أمّي كيف كان لك أن تتخطّيني إن لم يكن في جراب حزنك أخاك المقتول غدرا و أصدقاء كثَّر رحلوا ،.
آه يا أصحابي كم كنتم أغبياء حين رأيتم ولوجي الحفرة مرفقا بالوعود الفارغة ، الكاذبة .
كيف حال حوانيت الكتّاب ؟
كيف حال أبنائي ؟
كيف حال زوجي ؟
كيف حال الذى تركني و مضي إلى البحر ؟
كيف حال قفصة بعدي ؟
كيف حالكم ؟
لتمضوا إلى النّوم ، فالوقت يناديكم ليأخذ منكم قسط موت بطيء .
قلتم : و هل لك صباح حتّى نتمنّى لك فيه خيرا ؟
الوقت أرجوحة تعنيكم ، و تداول القمر و الشّمس معزوفة خرساء تمشط ضفائرالنسيان فيكم .
يا طائر جنائز الضوء خذني توّا إلى إرتخاء ضريحي الجارف بعطور الصّمت النّازف ، الرّمل ،، فقصبة الصَّحْب خواء ، مبهورة بسروج اللّيل الأحمق و بروْث البغال العابق بشطح الأفاعي في دغل مناسكهم ، و قفصة في كؤوسهم تصخب موتا ..موت ،
ينهمر من فراش يتهاوى وسط خشخاش الحقيقة ،
ينتهي رحما مملوكا بزوايا رقاد الضّوء ،
و ما إنحباس الإحتراقسوى ثدي منعوق بفرقان اللّحم الوثنيّ،
المحضون بيمامة النّار السّاهرة على جفْنيْ اليقظة ...يا طائر جنائز الضّوء ، عطِّرْ خيوط النّهار بأصيص غيابي و لْيتعمقْ غبار شهوتي و رمادي في أحراش دالية القتامة .
لم تعدْ هناك مساحة للإندفاع و الإرتجاج لأعيد حفر مشهد جسدي كما فاجأت أمّي به حمّى الحياة على صفحة الشّمس ،،، يلزمني لذلك عَتَهٌ كثير لا رجعة منه .
يا طائر جنائز الضّوء ، لنترك المكان و لندخل إلى بهْو اللّاشيء المحاط بزهر البدر و وَبَرِ الجنوب و النسيان المستحيل المتربّع على عتبة خلفية الهيكل المسجّى في عيون السّوس ، فالأصحاب نضبت في مآقيهم إختلاجات زوابع الورد و جنون رغبة العبور إلى الآخر ، و إلْتحَفوا بوجوه لاترى داخلها أحدا ، مغلقة هي كقباب من شَعْر رُتلّاء و كلس أعماق مفتوحة لإنهيار الذّاكرة في برك مفارخ العويل الغامقة .
فلْنغادر المكان حالا و لأكنْ مشدودا إلى عضل تلف الوقت المطعون بوزر غشاوة النسيان ." و ليكنْ أنّي المرتعش في أسابيع ،
لا تلثم نهود أيّامها ،
و أنّي خاتم الحزانى ،
سأدقّ الورد في جمجمة الرّؤيا ،
و سأطيش كحجل مهموم ،
من على سقسقة مظلمة......"
( من آخر قصيد لم ينتهي للشّاعر الكاظم الثليجاني ).
0 commentaires:
إرسال تعليق