بورتريه للكمبرادور بلقاسم الشمنقي
بقلم : جمال قصودة
تزدحم بشوارع الذاكرة و بأزقتها المعتمة الشخوص الفاعلة / العضويّة في تاريخنا المعاصر
تحديدا اقصد اشاوس الحركة الطلابية ، الذين اغفلتهم العدسات ، خاصة منهم هؤلاء
الذين ناضلوا قبل انتشار الهواتف الذكيّة
التي ساهمت في توثيق بعض المحطات النضالية ، هذه المجموعة من" البورتريهات" انطلقنا فيها منذ مدّة لتسليط الضوء على
الازقّة المعتمة في تاريخنا المعاصر من اجل
استدراج هؤلاء بتجاه الذاكرة الجماعية التي اغفلتهم -عن حسن نيّة- لعدم
درايتها بفعلهم و بنضالاتهم ،
"الكمبرادور " هو البرجوازي التجاريّ الكبير الذي
ترتبط مصالحه بالراسماليّة و ببقاء
النظام الراسمالي لذلك هو من الساعين دوما للاحتكار و التوسّع التجاري .
لكن ان يحمل هذا الاسم او الوصف معدم و
معارض شرس للراسمالية فهذا لعمري هو التناقض الصارخ ، لا تناقض عفوا حينما نعلم ان بلقاسم الشمنقي " الكمبرادور " هو مناضل طلابيّ من
العائلة الوطنية ، سميّ بهذا الاسم لعدائه الصارخ للكمبرادور اذ لا يمرّ اجتماع
طلابي عام دون الحديث عن النظام الوكيل للاستعمار
ذا الطابع الكمبرادوري في ارتباطه الوثيق بالامبريالية و النظام الراسمالي
، "الكبرادور " اصيل احد ارياف حاجب العيون بالقيروان ، دخل الجامعة و
بالتحديد كلية 9 افريل-على غير هدف دراسي – لذلك لم يمكث بمقاعد الكليّة غير شهور
قليلة انصرف اثرها للنضال الطلابي الجاد و
الفاعل في اغلب الاجزاء الجامعية دونما
تفكير في مستقبله الشخصي فلا مستقبل
تحت ظلّ الدكتاتورية ،
"الكمبرادور
"هذا عرفته سنة 2002 و ما تزال الحركة الطلابية في اوجها – قبل ان يخيّم
عليها الانقسام و يحكم عليها بالتراجع –
بيوم موت طالبة في المبيت الجامعي خير الدين التونسي
بحمام الشط ، يومها كانت الدهشة و انت تقف على قدرة الرجل على الخطابة كان مؤمنا
بالافكار التي يعتنقها دفاعا عن ابناء طبقته من المعدمين الذين حكمت عليهم الاقدار
ان ينتقلوا من ريف" ماطر " ليموتوا بغرفة في الطابق السادسة التي
اسكنوهم فيها برغم علمهم بمرضهم و علل القلب التي تنخر هؤلاء المعدمين الم نقل منذ
البداية ان لا مستقبل دراسي تحت ظل الدكتاتورية ، فان لم تمت من الجوع سيقتلك
البرد و يقتلك المرض و تقتلك سياط القمع ، هكذا ماتت بنت "ماطر " و لم
تمطر السماء يومها غير العويل و البكاء ،
لكن الكمبرادور امطرهم- امطر النظام يومها -بكيل من النعوت فاربكهم ، امتد الاجتماع و التحرك على كامل
اليوم صباحا امام معتمدية حمام الشط و بقية النهار بالمبيت الى حدود العاشرة ليلا
حينما خرّت قوى النظام ووكلائه منفذين جميع مطالبنا في فتح تحقيق جدي في الحادثة و
توفير حافلات لنقل الطلاب للتعزية الى ماطر و مطالب اخرى لا اتذكرها الان .
اثر هذه الحادثة كنّا على ابواب الحملة الانتخابية
للمجالس العلميّة ، و كنا بمشرب المبيت ليلا حينما قدّمني احد لرفاق للكمبرادور من
اجل الاطلاع على نصيّ الشعري الجديد " ثورة بركان " لم اكن معلوم الهوية حينها كشاعر اذ ما ازال في
بداية العام الدراسيّ الاوّل ، اندهش " الكمبرداور " بالخطاب الثوريّ
للنص و افتك الورقة ليجوب بها الساحة ناشرا ايها بين الرفاق مؤكّدا ان الشعر الثائر رديف للفعل النضالي الطلابي و به
نشحذ الهمم ،و كان الموعد مع سهرة"
اولاد المناجم" ليلا بعدها بايام ، ليصعد الكمبرادور بخطابه المعتاد و صعدت اثره في أوّل لقاء لي مع الجماهير الطلابيّة التي لا يمكن ان انسى تفاعلها من نصّ ثورة
بركان " ابدا .
كان" الكبرادور" جليسنا و رفيقنا دائما في
" المقهى الاخضر " بحمام الشط ، على يديه تكوّنا نقابيّا و سياسيّا ، و
اكثر الجلسات حميمية هي التي يلتحق فيها المناضل " العروسي شباب " و الشاعر المناضل مراد
عوانية لتكون السهرة سياسية شعريّة
بامتياز
و من الطرائف التي حصلت ان نفس هذه المجموعة التي ذكرت
كانت في جلسة بمقهى" الرولاكس " و قفلنا عائدين الى المبيت لكن البرد
كان قارصا ليلتها فنطق " العروسي شباب "قائلا : "برد
ادستر " اي ان هذا البرد قادر على جعلك دستوريا نسبة لنظام القمع القائم حينها .
اثر هذا العام خيّم الانقسام على الحركة الطلابية و
تراجع فعلها فتخلّف الكمبرادور عن التسجيل
في الجامعة لكنه لم يتخلّف في السنوات الموالية ابدا عن المحطات النضالية ، اذ كان
لا يتردد ابدا في مواكبة انتخابات المجالس العلمية فيتنقل من" حاجب العيون" الى "حمام
الشط" كل سنة لدعمنا و توجيهنا دونما تفكير في حامل نقابي يحميه و هو يعقد الاجتماعات الطلابية
دونما تسجيل و دونما انتماء فعلي للطلاب
للانقطاعه حينها .
تضجّ الذكريات بهذا الراس ،لكني لن انس ان اذكر ان "الكمبرادور " ذا صوت شجيّ كان يتحفنا ليلا في سهراتنا ببعض اغاني "
اسماعيل الحطّاب " و يتحفنا ايضا بالحديث عن مغامرات غنائه في افراح ريفه
بحاجب العيون ما رافقها من مشاكل جمّة ،
هي لمحة موجزة من مسيرة مناضل اغفلته التواريخ و العدسات
،برغم فعله و نشاطه العضوي .
0 commentaires:
إرسال تعليق