وصف الصوره

الإعتداء على سامي السّنوسي...رجّة ارتداديّة و مؤشّر على النّكوص و الإنتكاس

بقلم :فتحي الجلاصى

 أن يتعرّض المرء للإعتداء في زمن الإستبداد فتلك مسألة عاديّة ، و لا يُعتبر المُعتدى عليه استثناءًا ، بل هو واحد من القطيع.... أن يكون طبيبا أو أديبا...فلاّحا أو ملاّحا...عاملا أو عاطلا...مُحاميا أو مَحميّا  ، فالكلّ سواسية أمام صوت الجلاّد و سوطه ....لم يكن التّنكيل    و الإهانة و الإدانة ، و الإذلال يُثير الدّهشة و الإستغراب ، فذلك خبز يومي يقتات عليه الشّعب المغبون و المشحون...واستمرّ الوضع  ، هكذا حتّى ثار الشّعب المغبون و المشحون....و كان من أوّل مطالب ثورته حقّه في الكرامة ، و في التّعبير ، دون خوف أو  ترهيب أو  هرسلة أو تكميم أفواه... اعتقد البعض في البداية أنّ زمن الإستبداد ولّى ، و عصا الجلاّد اختفت ، و الشّوارع و السّاحات و الحدائق العامة أصبحت فضاءًا حرّا و مسموحا و مريحا لممارسة حقّ التّعبير ... و قد كانت المنافذ المفتوحة بعد 14 جانفي و الحراك الذي في الشّوارع و المسيرات السّلميّة تشي بأنّ تونس بأكملها تحوّلت إلى الحديقة اللّنديّة الشّهيرة "هايدن بارك"....و لكن مرحلة "الهايدن بارك" الفسيحة لم تدم طويلا....فالعالقين بأعلى هرم سلّم السّلطة ليسوا من عامة الشّعب...و وزارات السّيادة  و الرّيادة، و سواها ليست في يد الشّعب....و السّلم مشروخ...الشّعب في الأسفل يرنو للإمساك بسُلطنه....و الشّيوخ في الأعلى ، عالقين هناك...و بين الشّعب المُعلّقة عيونه بالشّيوخ العالقين في الفوق ، و بين الفوق الذي يشد إليه شيوخ السّلطة ، خطوات عديدة ، و درجات ألواحها مُحطّمة...و هوّة سحيقة...و آذان صمّاء...و كلٌّ يتحدّث بنبرة لا يفهمها و لا يستوعبها و لا يستسيغها الآخر....و بين النّاظر إلى الفوق ، و المُعلّق آليا هُناك ، ينظر إلى التّحت خشية الوقوع...مسافة شاسعة...و لكن بينهما أيضا مسافة  وهم أقلّ من الخطوة للتّصادم و التّلاحم و الإحتكاك....فلا شيء يجمع بين الفوق و التّحت سوى سلّم مشروخ ، و كثير من التّباين و التّباعد...و كمّ متبادل من التّوجّس و الرّيبة و الشّك....و لعلّ الرّعب السّاكن في عقل و وجدان المُتشبّثين بأعلى هرم السّلطة من الوقوع من عليائهم بين فكّي الشّعب و تعرّضهم للمُساءلة و المُحاسبة...و هم في مُعظمهم مدانين و فاسدين ....هذه العُقدة ، و هذا الشّعور ، هو الذي جعلهم يُقلّصون من منسوب الحركة و الحرّية المسموح به...و السّعي المحموم للتّظليل أوّلا ...و لإسكات الأصوات العالية ثانيا..و كان التّضييق على مراحل.......و كثرت الإعتداءات الوحشيّة ، و الهستيريّة المجانيّة على المُعتصمين و المُتظاهرين ، و المارين ، و العابرين بالصّدفة ، في سياسة مكشوفة و صريحة للتّعتيم على تزايد الفساد و عودة الإستبداد...و لعلّنا نذكر القمع المُبالغ فيه ، و العنف المفرط الذي واجهت به السّلطة مُمثّلة في أذرعها الأمنيّة مُعتصمي القصبة 3 ، و الأحداث التي تلت بعد ذلك و التي أدّت إلى سقوط ضحايا تبرّأت منهم السّلطة بطريقة وقحة....و في هذا السّياق يأتي الإعتداء على الشّاعر سامي السّنوسي ، الذي لم يكن يلبس يومها واقي رصاص ، و لا خوذة و لا حذاءا عسكريّا ، و لا يحمل قنابل مولوتوف ، و لا أسلحة بيضاء أو سوداء....و لكنّه كان يحمل هويّته و يتحدّث حديثا ارتجاليّا من وحي اللّحظة ، أو ينقل من ورقة ، على مدارج المسرح البلدي...هذا الحديث الإرتجالي أزعج السّلطة ، و لم يرق لأذرعها الأمنيّة من أطفال بورقيبة ، و الذين نشأوا و تربّوا في مدارس (آس .أو .آس) قمرت على نهش لحوم الضّحايا ، ثمّ تحوّلوا الآن إلى كتائب بوليس سياسي بلباس مدني مُموّه يحجب نسلهم المُتأتّي من مَنْيِ لقيط احتواه رحم واحد و تخلّت عنهم أمّهاتهم في الشّوارع و خطوط الأنابيب ، و المدافن و المزابل...هؤلاء هم سلالة أطفال بورقيبة الذين لا أصل لهم...و الذين مزّقوا هويّة سامي السّنوسي، و عقدتهم أنّهم بلا أصل و لا هويّة...لذلك يحلو لهم دائما ، و نزعة جلد الذات تقودهم أن ينزلوا بأفعالهم إلى أدنى مُستوى من الحضيض ، عن وعي ، و عن غير وعي....أمّا سامي السّنوسي فلا يحتاج إلى أن يحمل في جيبه بطاقة هويّة ، و أن يسير بها في الشّوارع....لقد علّقوا على جبينه معلّقة شرف...و هم هكذا دائما....ينحدرون إلى القاع ليرتفع على أكتافهم ضحاياهم...في اتظار السّقوط المروّع لشيوخ الفوق من أعلى درجات السّلم المشروخ....و ليرتقي الشّعب مارّا على جثثهم إلى سدّة الحكم

0 commentaires:

إرسال تعليق