كمال مرجان يتحدث...الحوار لجريدة الصريح ليوم 5سبتمبر
كمال مرجان يتحدث...الحوار لجريدة الصريح ليوم 5سبتمبر
كمال مرجان يتحدث...الحوار لجريدة الصريح ليوم 5سبتمبر
ما دخلي أنا في أموال التجمع؟
-لابد من إغلاق الباب أمام المال السياسي الأجنبي...
-عبد الرحيم الزواري لم يستهدفني ولكن خوّفوه مني...
-لا وجود لأي عسكري أجنبي في تونس...
-الإعلام في طور البحث عن توازنه...
لا أعرف لأي سبب تذكرت- وأنا أغادر مكتب السيد كمال مرجان- فيلم "الرجل ذو النعل الذهبي"الذي أنجزه السينمائي السوري عمر أميرلاي (الذي توفي بجلطة دماغية في فرنسا بعيدا عن وطنه في شهر فيفري الماضي) عن رئيس الوزراء اللبناني "الشهيد"رفيق الحريري ومساره وفيه يتحدث عن دوافعه وطموحاته ، فقد اعترف أميرلاي بأنه كاد يقع في حب الحريري وأسره رغم أنه انطلق في فيلمه من موقف أقل ما يقال عنه إنه سلبي من رئيس الوزراء الأسبق"الميلياردير سعودي الهوى" الذي لا يرى فيه البعض سوى رجل اقتحم السياسة بسلطان ثروته الضخمة، ومع ذلك نجح أميرلاي في تقديم وجه إنساني شفاف للحريري لم يكن معروفا عنه من قبل...
فعلى الرغم من الكلام الكثير الذي قيل لي من أصدقائي عن كمال مرجان - سلبا وإيجابا- وأنا أتهيأ لمحاورته فقد حاولت أن أنزع عني كل الأحكام المسبقة والتعامل مع الرجل من خلال مواقفه...
حدد زعيم حزب المبادرة -الذي كان آخر وزير للخارجية لنظام بن علي وأول وزير للخارجية بعد ثورة 14 جانفي- موعد المقابلة في التاسعة من صباح يوم الخميس 25 أوت الماضي (خلال شهر رمضان)، وفي مكتبه المنظم بذوق رفيع بمقر الحزب بـ"ميتوال فيل" استقبلنا الرجل بكثير من الحفاوة وأجاب عن أسئلتنا بهدوء الديبلوماسي المحنك محافظا على ابتسامة ذكية طوال جلستنا...
تفاصيل لقائنا بوزير الدفاع والخارجية الأسبق وبالرجل الثاني-السابق- في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في ما يلي، مع الإشارة إلى أن هذا الحوار ينشر اليوم في نسخة فرنسية في المجلة الإلكترونية www.memomed.org
- · ماهي قراءتك لتطورات الوضع في ليبيا؟
ما حدث كان متوقعا منذ مدة ، وعلاقاتنا مع ليبيا إستراتيجية تماما مثل علاقاتنا بدول الجوار المغاربي ، وإمكانيات التعاون بيننا في مختلف المجالات مهمة جدا ، وقد أصدر حزبنا بيانا عبرنا فيه عن أملنا في استقرار ليبيا في ظل نظام ديمقراطي يحافظ على وحدة ليبيا ...ونأمل أن لا تؤثر الثورة على توازنات المنطقة لأن طبيعة الثورة في ليبيا سمحت بتداول كثير من الأسلحة بعضها غير معروف تحت تصرف أي أيادي، وأعتقد أن موقفنا في "المبادرة" لا يشذ عن موقف كل التونسيين ذلك أن العلاقة بين الشعبين التونسي والليبي تتجاوز الجوار إلى علاقات أخوة وتضامـن و مصاهرة ولذلك فالشأن الليبي من هذا الزاوية هو شأن تونسي أيضا ونحن ننتظر كيف ستتطور الأمور بعد أكثر من أربعة عقود من حكم ديكتاتوري... وما يثلج الصدر أن التونسيين أكدوا بوقفتهم الصادقة مع أشقائهم في ليبيا عمق الصلات بين الشعبين وصدقها ونأمل أن تشهد العلاقات الثنائية نقلة نوعية في ظل نظام ليبي جديد قائم على الوفاق الوطني...
- · قضيت جل حياتك المهنية في قلب العمل الدبلوماسي في المنظمات الدولية وفي تونس كآخر وزير خارجية في نظام بن علي وأول وزير خارجية بعد ثورة 14 جانفي، هل ترى أنه من المقبول أن نظل ننتظر تطور الأمور والحال أن وزير خارجية تركيا بادر بزيارة بنغازي بمجرد دخول الثوار العاصمة طرابلس؟ وكيف ترى العمل الديبلوماسي التونسي بعد الثورة؟
اعتقادي بالنسبة إلى ليبيا أو غيرها أننا اليوم أمام فرصة كبيرة للعمل الديبلوماسي الحر دون كبت أو ضغوطات "كنا ياسر متخوفين ونقراو حسابات "...في ما سبق كنا نلهث وراء حل المشاكل وإطفاء الحرائق المتصلة خاصة بملف حقوق الإنسان أما بعد الثورة فتغيرت الظروف وأعتقد أنه علينا أن نلتفت إلى البناء والتأسيس فدور تونس مهم في إعادة بناء ليبيا بعد الثورة كما أفكر في طبيعة علاقاتنا بأوروبا و خاصة بإفريقيا التي غفلنا عنها طيلة سنوات والأمل أن التطورات التي حدثت في تونس وليبيا ستساهم في بناء المغرب العربي الذي أعتقد أنه رهان لا بد من كسبه وأولوية في عملنا الديبلوماسي...
- · هل صحيح أن قاضي التحقيق في المكتب الخامس بالمحكمة الابتدائية بتونس رفض رفع التحجير على سفركم؟
بكل صدق ،منذ انطلاق هذه القضية "مانيش فاهم لماذا يحجر علي السفر؟ لا سرقت لا خطفت"
*بحثا عن أموال التجمع؟
ومادخلي أنا في أموال التجمع فهل كنت أمين ماله ؟ لقد قضيت جل حياتي في العمل خارج تونس ، صدقني لم أفهم ماهي العلاقة بين المتهمين في هذه القضية ؟ هل هي قائمة وزراء أو مسؤولين تجمعيين؟وأين المنطق الذي يجمع بين عناصر هذه القائمة؟
*ولكن مجموعة 25 من المحامين تقوم في نظر البعض بدور وطني برفع هذه الدعوى لمحاسبة المفسدين؟
أنا رجل قانون والمحامي مساعد للقضاء و دوره أساسي في إرساء قضاء عادل ونزيه ...ولكن هل من المعقول المس من كرامة الناس وحرياتهم بهذه السهولة بإسم القانون ؟ "حل الأنترنت وشوف ماهو مكتوب عني" أنا فضلت الصمت احتراما للقضاء التونسي وتقديرا للوضع الاستثنائي الذي تمر به بلادنا إلى أن تقول العدالة كلمتها رغم الإشكاليات التي سببها لي هذا القرار فأنا مستقبلي ومصيري مرتبط ببلادي وفيها ولو كنت أفكر في مغادرة البلاد لفعلت ذلك مباشرة بعد الثورة...
أنا مثلا عضو في المعهد الدولي للقانون الإنساني بسان ريمو في إيطاليا وكان بودي أن أكون حاضرا في الجلسة السنوية للمعهد ولكن ذلك لم يتسن لي وهذا ليس أول التزام شخصي لي خارج تونس أتغيب عنه ولكني لم أرغب في إحراج أي كان
- · لماذا تلازم الصمت وتفضل العمل خفية؟
لا ليس خفية بل دون ضجيج ...وبرصانة
- · حتى تمر العاصفة؟
وإن كنت لا أرتاح لهذا الوصف فإني أقول إني خيرت العمل في صمت وليس خفية في ظل تخمة من التصريحات واعتقادي أن الإنسان ورجل السياسة خصوصا عليه أن يتعامل بتؤدة وانضباط وليس مهما أن أرد على ما يكتب هنا او هناك من اتهامات باطلة لأن ما يهمني بالدرجة الأولى هو تأسيس حزب المبادرة حتى يكون له دوره الإيجابي في تونس بكمال مرجان أو دونه...
*يحمل حزبكم اسم المبادرة فما هي المبادرات التي قمتم بها حتى تكونوا جديرين بهذه التسمية؟
نحن ننطلق من إيمان بأن كل مناضل في الحزب من حقه أن يبادر من أجل تطوير واقع تونس، وبناء الحزب ذاته ليس مسألة هينة اليوم...
- · سامحني سي كمال ، يبدو أن أيسر شيء هو تأسيس حزب في تونس مادام عدد الأحزاب تجاوز المائة؟
ثمة فرق بين حزب على الورق وحزب موجود في مختلف ولايات الجمهورية
- · هل أنتم في كل الدوائر؟
مناضلونا في كل مناطق البلاد ولكننا لم نفتح مكاتب في بعض الجهات وهو ما سنقوم به قريبا وسنكون جاهزين لانتخابات المجلس التأسيسي في كل الدوائر إن شاء الله...
- · ماهي الوصفة التي مكنتكم من الانتشار السريع ؟هل هي وصفة المال؟
الوصفة المالية للمبادرة ليست أفضل من غيره من الأحزاب ومناضلونا من عدة فئات وتيارات وليس صحيحا أنه حكر على التجمعيين السابقين أو الدستوريين كما يردد البعض بل إننا نجحنا كذلك في استقطاب شبان لا عهد لهم بالسياسة، وما يجمعنا هو مرجعية الحزب الإصلاحية وأهدافه ومنهجيته في العمل وربما كان لقيادة الحزب دور في هذا الإشعاع وهي متكونة من أشخاص مقبولين ويعملون في صمت...
- · ألا ترى أن نقطة قوة الحزب هي ذاتها نقطة ضعفه وهي ارتباطه بشخص كمال مرجان؟
بالعكس أنا لا أرى في ذلك نقطة ضعف للحزب فإذا كان وجودي على رأس الحزب يساهم في إضفاء مصداقية عليه لدى الرأي العام فيا حبذا فأنا أعمل لجيل الشباب وأنا أسعد الناس لو خدم حزبنا البلاد وأسس للمستقبل بعيدا عن الشخصنة... وفي نظامنا الأساسي أكدنا على أن رئاسة الحزب لا يمكن أن تمتد لأكثر من دورتين وشددنا على السماح بوجود تيارات فكرية وحساسيات مختلفة داخل الحزب
*ماهي حدود هذه التيارات بين اليمين واليسار؟
هي تيارات ضمن مرجعية الحزب الإصلاحية ومنهجه العام الوسطي وتعرض كل المواقف والأفكار على التصويت من طرف مناضلي الحزب ، أي أن القرار لا تحتكره القيادة بل هو نابع من إرادة القواعد ،ولا أعتقد أن كثيرا من الأحزاب تنص في نظامها الأساسي على هذا البعد الديمقراطي داخل هياكلها ...
*إستقبل الوزير الأول في الحكومة الانتقالية مؤخرا رئيس حزب الوطن السيد محمد جغام، ألا تشعرون باستثنائكم من هذه المقابلات؟
"ربي يعاونو سي الباجي" أنا لست منزعجا من هذا الأمر وربما كان ضبط هذه المقابلات على أساس كرونولوجي لتأسيس الأحزاب لأن حزبنا إنتظر أكثر من غيره قبل الحصول على التأشيرة ...المهم أن الحكومة انفتحت على الأحزاب من خارج الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي ومواقفنا من الحكومة الانتقالية معروفة وعلاقاتنا معها رغم أنها غير رسمية مساندة للوفاق الوطني الذي يسعى إليه سي الباجي ...
*متى سيتم الإعلان عن تحالف المبادرة مع عدد من الأحزاب الوسطية(الوطن-الحزب الإصلاحي الدستوري- المستقبل)؟
نحن لم نقم بتحالف هيكلي مع أي حزب...هو نوع من الائتلاف الانتخابي بمحافظة كل حزب على كيانه وهويته وحتى القائمات المشتركة في انتخابات المجلس التأسيسي ليست شرطا بل سننظر في إمكانية التعاون في عدد من الدوائر وقد بدأنا التشاور ونحن أعلنا عن لقاءاتنا للرأي العام وسنعلن عن قائماتنا في الإبان ، ومشاوراتنا مفتوحة أمام أحزاب أخرى من ذات المرجعية الإصلاحية التونسية والمعتدلة وليس بالضرورة المرجعية الدستورية فقط ...ونحن لم نغلق الباب بعد...
*ما موقفكم من غزو الإتحاد الوطني الحر للمشهد السياسي بحملة اتصالية غير مسبوقة؟
تونس تمر بوضع جديد والتونسيون لم يألفوا التعددية الحزبية الحقيقية وأعتقد أنه لابد من إرساء ضوابط للعمل الحزبي واتخاذ إجراءات حتى لا تصبح المادة هي محور العملية السياسية وموقفنا ليس موجها ضد أي حزب بل هو موقف مبدئي يسري علينا قبل الآخرين ومن الضروري خاصة أن نغلق الباب أمام التمويل الأجنبي للأحزاب التونسية...
- · هل صحيح أن صالح البكاري(أحد وزراء الثقافة السابقين في عهد بن علي) قد انسحب من حزب المبادرة؟
سي صالح أخ عزيز وعلاقتنا طيبة... طلب أن يبتعد لفترة ولا يعني أنه غادرنا نهائيا
- · دون بيان الأسباب؟
ثمة أسباب شخصية وأخرى داخلية ...كأي حزب في طور التأسيس قد تكون هناك بعض الصعوبات وهذا أمر عادي ولا أنفيه ولكن سي صالح طلب أن يبتعد في هذه الفترة ونحن نتمنى عودته في أقرب الآجال وسنبقى على تواصل
*يبدو أن الانطباع العام- بعد ظهورك في قناة التونسية- كان إيجابيا غير أن الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي وجه إليكم رسالة وصفكم فيها بصاحب العذرية المخيطة والزائفة فهل قرأت الرسالة؟
(ضاحكا) نعم قرأت رسالته ...
*وما ردكم عليها؟
لا لن أرد عليها لا الآن ولا لاحقا...
*ألا تستحق الرد؟
شتم الناس والتهجم عليهم ليس من سماتي ولا من أخلاقي "الناس تحكم من خلال الأفعال "وهذا السيد الذي لا أعرفه أنصحه بأن يسأل عني منذ كنت طالبا في كلية الحقوق بتونس وليسأل عني حتى من كانوا رموز المعارضة زمن بن علي وكل من عمل معي في الداخل و الخارج وسيعرف أين موقع العذرية الزائفة ؟وليواصل السيد المرزوقي كتاباته الفلسفية التي أظنه يتقنها أكثر من الكتابة في السياسة التي لا تعني شتم الناس ...
*اشتغلت بالسياسة زمن بورقيبة (نهاية الستينات) ثم تفرغت للعمل الديبلوماسي في المنظمات الدولية لتعود إلى تونس في السنوات الأخيرة من حكم بن علي فأي التجارب أكثر إغراء بالنسبة إليكم؟
بكل صدق يصعب أن أفاضل بين هذه التجارب المهنية المتصلة كلها بحياتي،ولكن الثابت في مسيرتي أنه كلما احتاجني بلدي كنت على أتم الاستعداد لخدمته دون تردد ، وحتى ما حققته في المنظمات الدولية ليس إنجازا فرديا بل يحسب لتونس
*ماالذي تغير في كمال مرجان من هضبة الهيلتون (حيث مقر وزارة الخارجية) إلى "ميتوال فيل" (مقر حزب المبادرة)؟
(يضحك ضحكة خفيفة) كمال مرجان كان في السلطة وفي وزارة سيادة واليوم عاد إلى بداياته نهاية الستينات كمناضل في حزب وآمل أن يساهم من موقعه مهما كان في بناء تونس المستقبل...
*عدت إلى تونس في أكتوبر 1989 لتقضي أقل من سنة في وزارة الخارجية، كيف جئت ولماذا غادرت بسرعة؟وهل صحيح أنه تم استهدافك من عبد الرحيم الزواري أمين عام التجمع في تلك الفترة؟
"ما نقولش عبد الرحيم استهدفني" بالعكس هو من رغب في عودتي لتكليفي بالعلاقات الخارجية للتجمع بحكم إنتمائي إلى العائلة الدستورية وتجربتي في العلاقات الدولية ولكن يبدو أنهم خوفوه فتراجع ...
*من خوّفه؟
لا أعرف على وجه التحديد ولكني أستنتج ذلك من سير الأحداث فبعد أن عدت إلى تونس تم التراجع عن تعييني في الخطة التي اقترحها عبد الرحيم الزواري ...أعتقد أنهم قالوا له لقد أتوا بكمال مرجان ليحل محلك وأنت تعرف أن من يكون في السلطة عندنا "يبدا خايف،يعسّ على أجنابو كما يقولون و "خليني نكون واضح ،عبد الرحيم يبقى زميل وصديق" وأنا أعرفه منذ عقود منذ كنت تلميذا في الثانوي فقد كان عبد الرحيم الزواري قيما في معهد إبن شرف حيث درست ...وربي يخفف عليه
*من أدخلك إلى ثلاجة الخارجية في تلك الفترة؟
رئيس الدولة هو من قرر تعييني وهو الذي غير رأيه في النهاية بعد أن وقع إقناعه بأني غير جاهز بحكم غيابي الطويل عن تونس..اقترح علي أن أكون واليا - وأنا أحترم هذه المهمة وأقدرها، فوالدي رحمه الله كان واليا على القصرين ثم سوسة في عهد بورقيبة- ولكني اعتذرت بحكم أن الولايتين المقترحتين كانتا بعيدتين عن العاصمة ولم يكن بوسعي الابتعاد عن أبنائي الذين يدرسون في المدرسة الفرنسية بتونس في تلك الفترة، فتم تعييني بالخارجية حيث بقيت عشرة أشهر حاولت خلالها أن أقدم خبرتي لجيل الدبلوماسيين الشبان المنتدبين الجدد(وهي الدفعة الأولى لما أصبح بعد ذلك المعهد الديبلوماسي) في الخارجية مع سي عبد الحميد الشيخ رحمه الله (وزير الخارجية آنذاك)
*سبق لوالدك القنطاوي مرجان أن تولى ولاية سوسة على الرغم من أن العرف أن لا يعين الوالي في مسقط رأسه، وسبق لكم في مركز المسيرين الشبان أن اقترحتم إلحاق سلك الولاة بالوزارة الأولى ، فهل يرجع هذا المقترح إلى تجربتكم الذاتية؟
حتى وإن كان هذا استثنائيا فلم يكن أبي الوحيد الذي كان واليا في جهته و ذلك يعني الثقة الممنوحة إليه وفي قدرته على العدل بين سائر المواطنين ومع ذلك فالجانب الذاتي لا دخل له في مقترحات الحزب واعتقادي أن هذا الاقتراح يمنح حرية أكبر للوالي الذي يمثل في الأصل رئيس الجمهورية في الجهة ، وإلحاق الولاة بالوزارة الأولى يجعل وزارة الداخلية تهتم أكثر بالجانب الأمني وهو جانب على قدر كبير من الأهمية...
كما أننا في حزب المبادرة سبق أن اقترحنا من خلال لجنة التنمية الجهوية تقسيم البلاد إلى أقاليم اقتصادية تضم عددا من الولايات ومجالس تتمتع بالشخصية القانونية حسب ضوابط معينة يمنح فيها الولاة دورا تنمويا أكبر مع رئيس الإقليم المنتخب، وهذا التصور يعطي الأولوية للتنمية الجهوية ويخفف من مركزية القرار ويدفع إلى تكوين جيل جديد من الولاة بعيدا عن الانتماءات الحزبية فليس من مهمة الوالي الاشتغال بالسياسة ودعم حزب دون غيره فالوالي إطار سام للدولة وليس طرفا حزبيا ....
- · كنت في موقع القرار الحزبي باعتبارك عضوا في الديوان السياسي للتجمع وفي موقع القرار السياسي(الدفاع ثم الخارجية)... أريد أن أفهم كيف كانت تدور دواليب الدولة أمام حجم الفساد الذي اكتشفه التونسيون بعد 14 جانفي؟
يجب أن لا نخلط بين مستويات مختلفة من التحليل ،فماكان موجودا من فساد وتجاوز للقانون لا أنفيه ولكن هذا لا يعني أن الإدارة التونسية كانت معطلة أو فاسدة بالكامل، علينا أن نعترف للإدارة ورجالاتها النزهاء بما بذل من جهد في مناخ يفتقر إلى الحرية والمبادرة بفعل ضغط التدخلات ولكن البلاد لم تكن اقتصاديا في حالة مأساوية... قد لا يعجب كلامي البعض في ظل المزاج السائد بعد 14 جانفي ولكني أتحمل مسؤوليتي في ما أقوله، فهل تتصور أن "دافوس" يمنح المرتبة التي منحها لتونس في ما يتعلق بقدرة الاقتصاد التنافسية أخذا بخاطر بن علي او لسواد عينيه ...
لتعلم أن الاقتصاد التونسي يوم 14 جانفي كان أقل مديونية من أي وقت آخر...هناك رجال خدموا الدولة التونسية بصدق وعلينا إنصاف هؤلاء معنويا على الأقل..."ما نجموش ننكروا "الأشياء الإيجابية في الاقتصاد التونسي ولكن مع الأسف غابت الحوكمة الرشيدة ...لا ينبغي الخلط إذن...
*لماذا صمتم و لم تلفتوا نظر بن علي إلى الفساد الذي استشرى في البلاد؟
أولا لا أعتقد أن بن علي كان جاهلا بما يحدث ثم إن ما لا يعلمه الكثيرون أن الوزراء لم يكن بوسعهم الحديث في غير اختصاصهم...
*ماذا كنتم تفعلون في المجالس الوزارية إذن؟
كنا نقدم تقارير قطاعية، كل في اختصاصه، وحتى مشاريع القوانين لم تكن تناقش فعليا في المجالس الوزارية بإشراف الرئيس السابق بل كانت تناقش قبل عرضها على مجلس الوزراء في جلسات مضيقة بين الوزارات المعنية، ووضعيتي كوزير للدفاع كانت خاصة فمجال اختصاص وزير الدفاع لا يناقش مع باقي الوزراء بل إن علاقته مع رئيس الدولة وليس من تقاليد العمل الحكومي أن يسأل وزير أو يدلي برأي في شأن خارج اختصاصه ....هذا هو الواقع مع الأسف ...
والمفارقة أني حضرت اجتماعا وحيدا في الحكومة الأولى لسي محمد الغنوشي بعد الثورة دام أربع ساعات "الناس الكل تكلمت "حتى كتاب الدولة وفي كل المواضيع وكان لي شرف المساهمة في صياغة أكثر من قرار ...
*على قرب الجيش التونسي من عامة الناس إلا أنه يظل لغزا بالنسبة إلى التونسيين إذ لا يعلم أحد قدراته على وجه التحديد، كوزير دفاع سابق(قرابة الخمس سنوات) ماذا يمكن أن تبوح به في هذا الشأن؟
قدرات الجيش العملياتية صنفان ،القدرات البشرية، والمعدات( أي التسليح)، وما أؤكده لكم أن الجيش التونسي يتمتع بقدرات بشرية متميزة ومستوى تكوين الجيش التونسي فخر للبلاد ، مشكل الجيش التونسي هو نقص المعدات وهذا اختيار سياسي منذ الاستقلال فميزانية الدفاع في تونس لا تتعدى 4 في المائة بقليل لأن الأولوية أعطيت إلى قطاعات التعليم والصحة وغيرها
*ماهو تعداد الجيش التونسي؟
هذه معلومة سيادية أفضل الإحتفاظ بها ...
*هل هو قادر على حماية الحدود التونسية؟
لا شك في ذلك(يكررها مرتين) إذا كانت أوضاعنا الداخلية مستقرة، ولا شك أنكم لاحظتم ما قام به الجيش التونسي منذ 14 جانفي وخاصة بعد الثورة الليبية....ولكن جيشنا يظل في حاجة إلى دعم تكنولوجي... أشاطركم الرأي في أن الجيش يظل لغزا بالنسبة إلى التونسيين لأن قلة من التونسيين أدوا واجبهم الوطني ويعرفونه من الداخل، كما أن هناك صورة سلبية متوارثة منذ الاستعمار عن الواجب العسكري خلافا للوضع في مصر أو الجزائر أو تركيا فالجيش جزء من ثقافة المواطنة في هذه البلدان، ومع ذلك فإن علاقة المواطن التونسي بالجيش تقوم على الثقة ، فجيشنا يقوم بمهمات تبعث الطمأنينة في قلوب الناس (التدخل عند الكوارث الطبيعية والأزمات ) وينجز مشاريع تنموية رائدة(جسور،طرقات...) و مشروع رجيم معتوق مثلا من المفروض أن يكون مثالا يدرّس في دول أخرى...ومع الأسف نحن لا نحسن تسويق ما ننجز، وحين كنت وزيرا للدفاع أذنت بفتح الثكنات أمام العموم بمناسبة الاحتفال بعيد الجيش حتى يقترب الشباب من الحياة العسكرية التي تخلق رجالا...
- · تم تسريب صورة تجمعك بسيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق- على الفايسبوك- برهانا على علاقتك بالكيان الصهيوني؟
(يبتسم) إسرائيل عضو في عديد المنظمات والمؤسسات الدولية سياسية واقتصادية وعسكرية ،ولذلك فإن وجودنا مع ممثليها في المؤتمرات والاجتماعات الدولية شيء عادي إلا إذا رغب البعض في الانعزال عن العالم وإغلاق الأبواب والنوافذ على أنفسهم، ومن قام بوضع هذه الصورة أظنه لم يجد أفضل منها ،فأنا لم أكن أتحدث مع شالوم، أو أسلم عليه أو حتى أقف بجانبه...فالصورة كانت عند الإعداد لصورة جماعية لحوالي أربعين وزيرا وكنت قريبا من نظيرتي الفرنسية إليو ماري وزميلي البرتغالي لويس أمادو، أما شالوم فكان بعيدا عني متحدثا مع وزير الدفاع البريطاني وكان ذلك في اجتماع للناتو(الحلف الأطلسي) في" توارمينا" بصقلية مع وزراء دفاع دول الحوار المتوسطي على هامش غداء عمل وهو اجتماع غير رسمي يعقد بصفة دورية وتبحث فيه علاقات التعاون مع الناتو، وتشارك فيه إلى جانب تونس ، موريطانيا والأردن والمغرب والجزائر ومصر ...ووجود إسرائيل في هذا الاجتماع لا يعني تعاون تونس مع إسرائيل أو أني عميل لإسرائيل ومن يشك في ذلك فليسأل الإخوة الفلسطينيين من كل الفصائل عن كمال مرجان...والرفيق نايف حواتمة كان في ضيافتنا في حزب المبادرة منذ أسابع قليلة وزيارته لنا ترد على المشككين ...ولعلمك فقد رفضت خطة مدير عام وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة حتى لا أجد نفسي ممزقا بين قناعاتي وواجباتي المهنية ... "خلي إلي يحب يقول يقول" ولا أظن أن كثيرا من الأحزاب وضعت في قانونها الأساسي بندا يهم القضية الفلسطينية كما فعلنا في المبادرة...
* هل كانت زيارة نايف حواتمة لكم بطلب منه؟
هذا لا يهم ...ولكن زيارته لنا كما كانت زيارة وفد من منظمة فتح قبلها بأسبوعين تعكس الثقة التي تجمعنا به وبسائر الأشقاء الفلسطينيين في مختلف الفصائل...ومساندتي الشخصية للقضية الفلسطينية لا تحتاج إلى إبراء ذمة من أي كان ...
- · قيل كلام كثير زمن بن علي الممتد عن وجود عسكري أجنبي ببلادنا فهل تؤكد هذا أو تنفيه؟
- أنفي نفيا باتا وجود أي قوة عسكرية أجنبية بتونس خلال المدة التي قضيتها بالحكومة ...
- · في حوار جمعنا بأحمد القديدي المعارض الذي عينه بن علي سفيرا في قطر، تحدث عنك بإيجابية ووصفك بالمثقف والوطني والإصلاحي ولمح إلى تعاونك معه وأنت وزير للخارجية في تسوية ملفات عدة معارضين مقيمين بالخارج فما الذي تضيفه في هذا السياق؟
"بارك الله فيه سي أحمد"... هذا من أخلاقه ولطفه... ولكني أعتذر لكم لا يمكنني الخوض في مثل هذه المواضيع فكل ما قمت به في وزارة الخارجية أو غيرها حتى لما كنت بالأمم المتحدة، هو واجبي ولا أريد أن أحرج أحدا ،فعلت ما قدرت عليه وما أملاه علي ضميري ولا أبحث عن اعتراف أو شكر أو دعاية...
*استقلالية القضاء مطلب الجميع فما الذي يحول دون تحققه؟
استقلالية القضاء مبدأ وهدف لا بد أن ترمي له كل الديمقراطيات فالقضاء هو الضامن للحريات ولكن الوضع الاستثنائي الذي تمر به تونس يجعل الشارع ولو بشكل غير مباشر يضغط على القضاء... والمطلوب هو إرساء الثقة بين العدالة (قضاة ومحامين وإدارة...) والمواطن...
*سي كمال ،هناك حديث عن قوائم لقضاة فاسدين؟
الفساد في تونس عم مع الأسف كل القطاعات وحرية القاضي بينه وبين ضميره أما فتح ملف الفساد فلا أريد أن أقصره على سلك القضاء، وعلينا أن نتفق كتونسيين على مبدأ علوية القانون على قدم المساواة بين الجميع، واحترام القانون في أبسط مظاهره يبدأ بالامتثال لإشارات المرور ...
*كيف تقيم المشهد الإعلامي اليوم؟
الإعلام التونسي في طور البحث عن توازنه ... ربما كانت الإرادة موجودة ولكن الذي تحقق غير كاف، وما نؤكد عليه هو خاصة حياد الإعلام العمومي واستقلاليته وعدله بين كل الأطراف ...أنا أتفهم الصعوبات التي يمر بها إعلامنا وأتفهم مواقف بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة ولكن الإعلام العمومي ينبغي أن يظل بعيدا عن التجاذبات الحزبية حتى لا نكرر ما كان في إخراج جديد...
*هل الإعلام العمومي غير محايد حاليا ؟
لاحظنا أحيانا أن بعض وسائل الإعلام العمومية تقدم مواضيع الهدف منها ليس إعلام المواطن بل دفعه في اتجاه معين ، وأملي أن تكون فترة انتقالية عابرة نحو إرساء إعلام عمومي تتوفر فيه شروط الاستقلالية والنزاهة والحيادية والحرفية لأن دور الإعلام مهم جدا في صنع مستقبل تونس...
- · هل أنت مطمئن على مستقبل تونس؟
لا يمكن أن تشتغل بالسياسة دون إيمان بالمستقبل وقدرة التونسيين على صنع ربيعهم مكتملا
0 commentaires:
إرسال تعليق