مبروك الغري :يكشف حقائق سقوط بغداد و سيرة الشهيد شكري بلعيد في العراق
حاوره : جمال قصودة
بمناسبة الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس العراقي صدّام حسين ، ما تزال النقاط المعتمة كثيرة في تاريخ غزو العراق 2003 ، اغلب الشهادات التي نشرت هي شهادات المتطوعين العرب لكنها كانت متضاربة حدّ التناقض الصارخ من هذا المنطلق خيّرت جريدة الديار التونسية في هذه المناسبة إجراء حوار حصري مع احد الطلبة التونسيين المقيمين حينها بالعراق والمتطوعين في حرب 2003 .
ضيفنا السيّد مبروك الغرّي لو تقدّم نفسك لقراء جريدة الديار التونسيّة :
مبروك الغرّي ، متحصّل على الأستاذية في القانون من جامعة بغداد ، صاحب مدرسة لتعليم السياقة الآن ، أصيل منطقة جرجيس درست بالمعهد الفنّي هناك و فشلت في امتحان البكالوريا شعبة اقتصاد و تصرف 1995/1996، منذ تلك الفترة و ما سبقها كنت كغيري من أبناء جيلي احمل الهمّ العربيّ و عشت على امل الدراسة بالعراق و صادف ان درست عند الأستاذة العراقية ” سوزان عيسى” ( بنفس المعهد ) هذه الأخيرة شجّعتني كثيرا على تحقيق حلمي لالتحاق بالعراق و إتمام دراستي هناك ،
دخلت العراق في 03 أكتوبر 1996 و صادف قبل دخولي بأسبوعين أن تعرض العراق لضربة جويّة أمريكية على مفاعل ” التويثة ” فكانت أول اكتشاف لي هي نفس تلك المنطقة المستهدفة من العدوان الاطلسي الهمجي ، اذكر إني دخلت العراق برّا عبر الأردن أين تستقبلك في المنطقة الحدودية ” الطريبيل ” أوّل ما تطأ قدماك ارض العراق جداريّة ضخمة للقائد الرمز صدام حسين بالزيّ العسكري ، و أنت تطالع تلك الجداريّة تنتشي كلّ النشوة بمعاني العزّ ، الشموخ و الكرامة العربيّة الاستثنائية نادرا ما تعيش هذا الإحساس المفعم بالشموخ في أي قطر عربيّ أخر أو أمام أي صورة أخرى غير صورة القائد .
سجّلت في إعدادية ” المثنّي ابن الحارثة للبنين ” في حي القاهرة ببغداد لاجتياز امتحان البكالوريا ( السادس أدبي) ، أتممت السنة الدراسيّة بنجاح و كنت الأوّل على الطلبة العرب في دفعة 1996/1997 بمعدّل 74.81 ، سجّلت في السنة الدراسية الموالية بكليّة القانون و السياسة جامعة بغداد هناك عايشت ثلّة من الطلبة التونسيين و العرب اذكر من بينهم الأستاذ” لزهر السالمي ” و الشهيد ” شكري بلعيد ” الذي درس حينها بكليّة القانون جامعة بابل .
كان العراق يستقبل الطلبة العرب من مشارق الأرض و مغاربها للتعليم بصورة مجانية و في جميع الاختصاصات الأدبية، العلميّة و كانت المقاعد الدراسية هديّة من القيادة القومية ( مكتب الطلبة و الشباب ) ،
على ذكر الشهيد شكري بلعيد ،ماذا تذكر عن مرحلة دراسته بالعراق ؟
التحق الشهيد ” شكري بلعيد ” حينها بكلية القانون ببغداد و كان يعدّ لشهادة الماجستير بجامعة بابل ، كان دائم الزيارة إلى بغداد أين كنّا نلتقي بمقرّ الاتحاد العام لطلبة تونس فرع بغداد /فرع الشهداء و باعتباره عضو المكتب التنفيذي للاتحاد في تونس فقد كان أكثر الطلبة نشاطا في مختلف الفعاليات ضمن ” سكريتارية الطلبة العرب ” ، كان ثوريّا ،شجاعا و صاحب مواقف و محبوب من طرف الجميع و اذكر انه كان من أوائل الطلبة الملتحقين بجيش” القدس “.
كيف كان الحراك الفكري و السياسيّ في تلك الفترة ؟
انضممت لحزب البعث العربي الاشتراكي كأغلب الطلبة العرب الدارسين بالعراق في مارس/آذار 1997 ، و كان انضمامي باقتناع و عن طواعية و عن إيمان عميق بوحدة المصير العربي المشترك .
في العراق حينها كانت تقام عدّة مؤتمرات دولية و اقليميّة تعاطفا مع الشعب العراقي ضدّ الحصار القائم آن ذاك ، كنت عضوا في منظّمة شباب دو ل عدم الانحياز التي كان مقرّها في “الاعظميّة ” ببغداد ،كنت كغيري من الطلبة التونسيّين و العرب مشارك في فعاليات ، احتفاليات و أنشطة ” سكريتاريّة الطلبة العرب ببغداد ” هذه المنظّمة الطلابيّة الشبابيّة التي كان الاتحاد العام لطلبة تونس فرع بغداد / فرع الشهداء يشاركها جميع الأنشطة مما جعلها مناسبة لالتقاء جميع الطلبة العرب بالعراق على اختلاف ميولا تهم و مشاربهم .
في ديسمبر 1998 تعرّض العراق لعدوان أطلسي عرف فيما بعد بعمليّة ” ثعلب الصحراء ” التي استهدفت القيادة العراقيّة في شخص الشهيد صدّام حسين و كان لنا شرف المشاركة في التصدّي لهذا العدوان ميدانيّا على ارض المعركة او عبر التبّرع بالدم من منطلق إيماننا بضرورة الدفاع عن ” ارض السّواد ” و عن البوّابة الشرقيّة للأمة العربيّة . انخرطنا بعد هذا العدوان مباشرة في ” جيش القدس” الذي أعلنت القيادة العراقيّة عن تأسيسه للدفاع عن فلسطين و عن الأمة العربيّة بصورة عامة ، كان يشرف عليه القائد الأعلى للقوّات المسلّحة صدّام حسين و بإشراف مباشر من طه ياسين رمضان ، شاركنا حينها في دورات تكوينيّة و كان لنا شرف المشاركة في الاستعراض العسكري الضخم الذي اقيم بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي في 06 جانفي / كانون الثاني 2000 و بحضور الرئيس صدّام حسين القائد العام للقوات المسلحة .، و في نفس الفترة تقريبا كانت لجان التفتيش الدولية تختلق المشاكل للقيادة العراقية خاصة بعد طلبها تفتيش مقرّات السيادة كالوزارات و القصور الرئاسيّة ،حينها أصبح من شبه المؤّكد لدى العراقيين و العرب الشرفاء أن هذه الأفعال تمهّد لعدوان شامل لإسقاط القيادة الوطنيّة بالعراق بعد فشل الحصار و كل محاولات تركيع العراق أرضا ،شعبا و قيادة ، كانت القيادة حينها على وعي تام بهذه المؤامرات التي تطبخ بالبيت الأبيض لذلك عملت على تكثيف الدورات العسكريّة خاصة للقيادات البعثيّة استعدادا للمرحلة المقبلة.
هذا الوعي بحرج المرحلة المقبلة لدى القيادة العراقيّة ماذا انجرّ عنه من استعدادات لغزو قادم لا محالة ؟
القيادة العراقية كانت متخوّفة و الحقّ يقال من إعادة سيناريو 1991 عندما سيطر ” الغوغائيّيون ” على أكثر من 14 محافظة عراقية بإيعاز من دول مجاورة كإيران و دول الخليج التي لعبت على الحبل الطائفي لإرباك النظام و التعجيل بإسقاطه بأقل الخسائر الممكنة ، من هذا المنطلق و لتجنيب العراق التقسيم الطائفي عمدت القيادة على إطلاق ” حملة إيمانية ” لسحب البساط من تحت أقدام ” الغوغائيين ” و بهدف عدم استغلال المعطى الطائفي أو العقائدي في الحرب المرتقبة و لضمان مساندة اغلب الطوائف تمهيدا للدفاع عن العراق و عن القيادة الوطنية المستهدفة رأسا .
في بداية 2003بدت معالم الحرب تتضح للعيان و بدأت طبول العدوان تقرع معلنة بداية العدّ التنازلي للحرب ” الصليبيّة” – كما سمّها جورج بوش الابن- على العراق ، في مارس/ آذار و بعد وصول طلائع الجيش الامريكي من بوارج و طائرات إلى الخليج استعددّت القيادة و قامت بتقسيم العراق إلى أربعة مناطق عسكريّة :- المنطقة الشماليّة بقيادة عزّت ابراهيم الدوري ،- المنطقة الوسطى و تضمّ بغداد و ديالة و بابل بقيادة سلطان هاشم أحمد ( وزير الدفاع ) و بإشراف من قصّي صدّام حسين ، – منطقة الفرات الأوسط بقيادة محمد حمزة الزبيدي ، المنطقة الجنوبيّة بقيادة على حسن المجيد ،هذا التقسيم المناطقي كان الهدف منه السيطرة الكليّة على جميع المحافظات العراقيّة ،تحت إشراف و بقيادة ولاءات وطنيّة و حزبيّة مقربة من الرئيس صدام حسين لضمان عدم تكرار تجربة 1991 التي انجرّ عنها انفصال المنطقة الشمالية ( الكردية ) عن القيادة المركزية .
و قد عايشت الغزو الأمريكي ماذا تذكر عن تلك الأيام العصيبة التي مرّ بها العراق ؟
بفجر 19 مارس / آذار 2003 انطلق العدوان الهمجيّ على ارض الحضارة و التاريخ معلنا عن بدء الصفحة العسكرية بقيادة أمريكا و بمباركة من “خنازير” النفط الخليجي ، أول الصواريخ التي أطلقها الامريكان استهدفت تدمير منظومة الدفاع الجوي و خاصة منصّات إطلاق الصواريخ المتطوّرة التي كان يمتلكها العراق و لان الهدف الرئيسيّ من الحرب هو استهداف القيادة العراقية رأسا لذلك تم قصف مقر مجلس الوزراء و القصور الرئاسية كخطوة أولى قد تربك الرئيس صدّام حسين .
في تلك الإثناء بدأت تتدفق على العراق أعداد غفيرة جدّا من المتطوّعين العرب من مختلف الدول العربيّة وقع استقبالهم و دفع بعض باتجاه المعسكرات حسب الخبرة و خاصة الولاء إذ اتعظت القيادة العراقية من تجربة أمّ المعارك 1991 التي تمّ خلالها تسريب أعداد من المتطوّعين العرب لخدمة الجيش الامريكي الغازي ، وقع حينها اكتشاف بعض الخلايا التي كانت مجهّزة بهواتف ” الثرّيا”
مجنّدين للتجسس من داخل المتطوعين العرب و أعلنت القيادة عن هذا من خلال التلفيزيون العراقي .
تعدّدت تصريحات المتطوعين العرب من خلال الصحافة بعد سقوط بغداد و اذكر انّ شهاداتهم كانت متضاربة فهل قدّمت لنا شهادة أعمق عن حقيقة ما حصل معهم ؟
بفندق ” السدير ” في ” الكرّادة ” ببغداد وقع تجميع المتطوعين العرب هناك تم تقسيمهم بحسب الاحتياجات و اذكر هنا أنهم أحدثوا بلبلة باحتجاجهم المتكرر عن سوء الوفادة ( عدم توفر الأكل أو الأغطية بالليلة الاولى ) و كأنّ العراق في وضع طبيعي او كأنّهم في نزهة و ليسوا تحت وقع الرصاص لكننا لا ننكر أن السواد الاعظم منهم احتجّ لرغبته الجامحة في الذود عن العراق و طلبوا توزيعهم و ايصالهم بسرعة إلى ارض المعركة هذه الخطوة لم تكن سهلة او ممكنة على القيادة العراقية لانشغالها اوّلا بتزويد الجيش النظامي بالمؤونة أو لخطر الاختراق الممكن حدوثه في هذه الحالات دون ان ننسى عدم دراية او خبرة الكثير من المتطوّعين العرب بالسلاح .
لقد عبّرت القيادات العسكرية الميدانية المجتمعة في الفندق على فخرها الشديد بهذه الجموع المتطوّعة و أعربت عن أسفها لعدم إمكانية نقل البعض منهم إلى ارض المعركة لأسباب أمنيّة تخصهم و تخص القيادة العراقية في ألان نفسه و اقترح على المتطوعين الغير ملتحقين بأرض المعركة أن يقتصر دورهم على الإمداد أو التبرّع بالدم و أعربت القيادة العسكرية – المجتمعة بهم –مجرّد وصولهم إلى بغداد في تلك الفترة يعدّ في نظر القيادة و الشعب العراقي موقفا قوميّا و تاريخيّا عظيما .
كنت من الجموع التي شاركت ميدانيا في المعارك ، حدّثنا عنها :
انضممت الى ” لواء العروبة ” الخاص بالبعثّيين العرب المقيمين بالعراق المضمونة ولآتهم ،يوم 20 مارس/ آذار ،انطلقنا باتجاه معسكر ” خان بني سعد” شمال بغداد بمحافظة ” ديالى “كنّا 340 متطوّعا عربيّا ، مكثنا هناك خمسة ايّام تقريبا دافعنا فيها دفاعا مستميتا عن شمال بغداد في وجه بعض الخلايا النائمة التابعة لإيران التي كانت تستعد لبثّ الفوضى .
و بنفس هذا المعسكر تعرضنا في الليلة الفاصلة بين 22/23 مارس /آذار إلى قصف جويّ سقط فيه عدد من الرفاق اليمنيّين و السودانيين منهم رئيس اتحاد طلبة السودان و اسمه ” أحمد ” .
في فجر 26 مارس /آذار لاحظنا هروب بعض من الجنود العراقيين و بقي أصحاب الرتب العليا في الجيش فقاموا بنقلنا من الشمال – شمال بغداد- إلى الجنوب الى محافظة ” الكوت ” ( واسط ) و تحديدا بمنطقة ” الصويرة ” أين حدثت بعض المفاجآت و بدأت تصلنا أخبار عن صمود ” أمّ قصر” بالجنوب و سقوط محافظة ” العمارة ” دون أن ننسى هروب و استسلام بعض الفرق العسكرية في ” السماوة ” و ” النجف ” .
تعدّدت الأقاويل عن معركة المطار الأولى و الثانية ، هل لك شهادة حيّة عنهما؟
يقع مطار صدّام الدولي شمال غرب بغداد و نظرا للحصار الشامل الذي عاشه العراق كان استخدامه يقتصر على الرحلات الداخلية إذ كان شبه معطّل طوال فترة الحصار ، كانت خطة القيادة العراقية للدفاع عن بغداد خطّة محكمة إذ تمّ تطويقها بخيرة الفرق العسكرية ( الحرس الجمهوري / نخبة الجيش العراقي ) بالإضافة إلى إرساء منظومة دفاع متطوّرة جدا و تلغيم كل الجسور و الخطوط المؤدية الى عاصمة الرّشيد ،اشتدّ القصف الامريكي بمحيط بغداد و كامل محاورها و عمدت قوّات الحلف الاطلسى بفتح عدّة جبهات في نفس الوقت و بعمليّات خاطفة لإرباك الجيش العراقي لسرعتها و امتدادها على محيط العاصمة إلى أن فتحوا ثغرة و قاموا بإنزال جوي في الليلة الفاصلة بين 4/5 افريل /ابريل ،حينها كانت معنا بمنطقة ” الصويرة” جنوب بغداد بعض” طلائع فدانيي صدّام” الذين كان يقودهم “عدي صدّام حسين “وصلتهم التعليمات فجر يوم 5 افريل /ابريل للالتحاق بالمطار أين تدور معركة شرسة مع قوات الحلف الاطلسي ،مساء عقد وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحّاف مؤتمرا صحفيا أعلن فيه تطهير المطار تماما من “العلوج” –كما سمّاهم –على إثره نظّمت نفس الوزارة زيارة ميدانية لوفد اعلامي لمطار صدّام الدولي ، و نذكر هنا أن معركة المطار الأولى دامت حوالي 12 ساعة و لا يفوتنا ان نؤكّد أن المعركة لم يشارك فيها أيّ متطوّع عربي لكنني علمت من ضبّاط مقربين أن القائد صدّام حسين قاد المعركة بنفسه على ظهر دبابة و شوهد حاملا سلاحا مضادا للدروع” اربي جي 7″،و لقد اكّد لنا نفس المصدر العسكري أن قوات الحلف الاطلسي تكبّدت هزيمة نكراء لا يقلّ فيها قتلاهم عن 600 قتيل و اذكر إني شاهدت بأمّ عيني –و أنا في قافلة ” الأرزاق ” التي تنقل المؤونة للجنود- حافلة تقلّ ” فدائيي صدّام” و هي تعبر جسر ” الايمّة” بين “الاعظمية ” و ” الكاظميّة” و هم يلوّحون من النوافذ برؤوس الجنود الامريكان وسط تكبير و تهليل شعبي عارم .
لقدl لقد تم تدمير في نفس المعركة قرابة 17 ناقلة جنود و عدة آليات عسكرية أنزلت بالمطار في الليلة الفاصلة بين 4/5 افريل /ابريل و لا يفوتنا الذكر أن أعدادا هامة من الجنود الامريكيين تم القضاء عليهم داخل الإنفاق تحت المطار عبر إغراقهم بالماء و التيّار الكهربائي .
أما فيما يخص معركة المطار الثانية فلقد استخدمت قوات الحلف الأطلسي أسلحة محرمة دوليا عجّلت بسقوط المطار و من ورائه عاصمة الرشيد .
عبر شاشات التلفزة شاهد العالم سقوط بغداد ، أين كنت حينها و كيف عشت اللحظة ؟
كنت حينها في جسر “ديالة ” بمنطقة ” الزعفرانية “القريبة من ” مسعكر الرّشيد ” جنوب بغداد و لغياب وسائل الاتصال غالبية المقاتلين العرب لم يعلموا باقتحام قوات الحلف الاطلسي لساحة ” الفردوس ” و إسقاط تمثال القائد الرمز صدام حسين مع التأكيد هنا أن غالبية أهل بغداد أيضا لم يعيشوا اللحظة كما عاشها العالم من خلال شاشات التلفاز و نؤكد ان الامريكيين لم يبسطوا سيطرتهم كاملة حينها على بغداد بل اقتصر وجودهم على ساحة ” الفردوس ” و الجسر الرابط بين ” الكرخ ” و الرصافة ” من جهة القصر الجمهوري ، عاشت حينها بغداد على وقع انفلات امني مربك حيث بدأت أعمال السلب و النهب و انتشرت الحرائق في المقرّات الحكومية و انسحبت غالبية الجيش العراقي حتى ان ” بزّاتهم ” العسكرية صارت ملقية في الشوارع و الأسلحة صارت في متناول الجميع ، في هذه الإثناء كنّا نحن المتطوّعون العرب نلتقط أخبار سقوط بغداد من خلال ما ذكره لنا سوّاق سيارات ” التاكسي ” ،
اتجهنا الى منطقة الاعظمية التي بقيت صامدة الى يوم 12 افريل /ابريل ،بقينا فيها ثلاثة ايّام على وقع معارك شرسة بمحيط جامع ” ابو حنيفة ” و خاصة مقر الغرفة الحزبية بجانب المقبرة الهاشمية اين سقط حولي 27 من خيرة المقاتلين العرب ،وقع دفنهم ليلا في فناء جامع ” او حنيفة ” على ضفّة نهر دجلة ،اذكر أني شاهدت لاوّل مرّة مدرعات أمريكية يوم 12 افريل /ابريل بساحة ” عنترة بن شدّاد ” .
و نحن على أبواب الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس صدّام حسين ماذا تقول عنه ؟
باختصار شديد ، صدّام حسين أخر الرجال المحترمين في زمن عزّت فيه معاني الرجولة و دليلي في ذلك ان العراق الذي كان منارة علم و حضارة و ثقافة أصبح اليوم عنوانا للتناحر الطائفي و إعادته ” الدمقرطة ” الأمريكية المزعومة إلى عصور التخلّف ، التناحر و الاقتتال اليومي ، لكن العراق الذي أنجب صدّام حسين لا يموت إذ يموت لأنه كالعنقاء تماما يبعث من رماده منتصبا فانتظروه اننا معكم منتظرون .
في الختام ،سعدنا كثيرا بهذا الحوار الشيّق معكم ، ماذا تقول لمتتبعي جريدة الديار التونسية ؟
نشكركم كل الشكر على مساحة الودّ هذه و نتمنى لجريدتنا الغرّاء ، الإشعاع و الانتشار و نؤكّد في الختام أن ما ذكرناه غيض من فيض فملحمة عراقنا الأشم تحتاج مساحات اكبر .