تونس
جزء أوّل
بسم الله الرحمان الرحيم
وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. هود 88.
ـــــــــــــ
هذا حديث دفعتني إليه الحالة التونسيّة هذه الأيّام ،وإن كان يعتمل في النّفس كثير منه منذ ظننت أنّي أعي شيئا من زمني الكبير على أرضي الواسعة الممتدّة من خليجها إلى بحرها إلى محيطها إلى محيطها وهو حديث أعطته الأحقّيّةَ في الظهور انفجار بركان الثّورة العربية من تونس التي لم يكن ليظن أنها أهل حتى لرمية حجر الشيء الذي دعا الغافلين إلى معايرتها بثورة الياسمين ، وأيضا دعتني لهذا الحديث رغبة البوح، وظنّ الإفادة ،وهو ليس حديث مؤرّخ ولا سياسيّ حاشاكم ولا مفكّر ولا حديث عارف بشيء إنْ هو إلاّ بوح مواطن تونسيّ عربيّ مسلم "وذي نسب في المخطئين عريق" يتحدّث بما يعرف، عمّا يعتقد، كما يرى
ـــــــــــــ
ربِّ اشرح لي صدري 25ويسّر لي أمري 26 واحلل عقدة من لساني 27 يفقهوا قولي 28. / طه
ــــــــــــــ
مداخل :
ـــ البعض يسمّي ثورة تونس بثورة الياسمين وهذا تعدٍّ صارخ على الدّم الذي جرى، وللعلم ثورة الياسمين هو الإسم الذي سمّى به حاكم تونس المطرود انقلابه على سابقه.
ــ بعض العرب يرون تونس بلدا بلا إسلام ولو كانت بلا إسلام لما حارب حكّامها والمريبون من نخبها الإسلام قرنا كاملا ومازالوا إلى يوم الناس هذا
ــ وبعض العرب يرون تونس فرنسية اللّغة ولو كانت كذلك لما سعى حكّامها والمريبون من نخبتها لتغريبها وفرْنستها لمائة عام خلت وإلى يوم الناس هذا
ــ وبعض العرب الضّالعون في الرّيبة يرون تونس بلا فضيلة ولو كانت كذلك لما انفطرت قلوب أهلها
ــ تونس قبل أن تكون دولة قطرا هي شعب عربي مسلم مالكي بلا طوائف ولا مذاهب ولا انقسامات وتكاد تكون المجموعة الأشدّ لُحْمة و الأوضح دما في أهلها العرب.
وتركيبة أهلها:
ــ غالبيّة مطلقة من قبائل العرب الذين جاؤوا فاتحين ولم يحملوا معهم الياسمين والعطور بل كانوا فرسانا أشاوس أشدّاء على ظهور الخيل:
مُتَـقَـلِّدِينَ صَفَائِحًا هِنْــــــــدِيَّةً
يَتْرُكْنَ مَنْ ضَرَبُوا كَأَنْ لَمْ يُولَدِ
فَتَرَى الرِّجَالَ الثَّائِرِينَ كَأَنَّمَا
أَحْدَاقُهُمْ قِطَعُ الحَدِيدِ الـــــمُوقَدِ
ــ و بعض قرى متناثرة على جبال مطماطة من البربر الذين أنجبوا طارق بن زياد، سادة دفعوا في نصرة دين الله كلّ عزيز
ــ وبعض من أهل الأندلس الذين لجؤوا إلى مجمل بلاد المغرب يوم سقطت الأندلس فاحتضنتهم روحا وأرضا
ــ وقلّة من تفاعلات حضارة المتوسّط عبر حقب التّاريخ ومحطّاته متواجدون على طول الشّاطئ التّونسي
تلك هي تونس وسأفتح هنا بابا على جراحها وجراحنا فيها ما استطعت.
قبل الإستخراب الفرنسي سنة 1881 للميلاد كانت تونس مملكة تحكمها العائلة الحسينية عائلة "بايات" مفردها "باي" وهو الملك، من بقايا نفوذ الدّولة العثمانيّة كسائر الكثير من بلاد العرب، فلا كفر ولا فرنسة ولا انبتات ولا غير ذلك إلاّ ما اشتركت في حالها مع الحال العامّة لبلاد العرب وبعض من الاختلاف الموسوم بخصوصيات المكان كانقسام مجمل القبائل العربية بتونس إلى نزعة تقسمها قسمين: قسم شدّاد وقسم يوسف وهو صراع على الحكم بين أبناء العمومة في عائلة المُلك سببه الأساس جهل الرعيّة بدأ سنة 1728 م وانتهى سنة 1740م بغلبة العائلة الحسينية على العرش ولكنّه بقي فتنة متغلغلة بين القبائل أكثر من قرن من الزّمن.
باستثناء حاضرتين أو ثلاث، مدينة تُونِسْ ومدينة صْفَاقِسْ ثمّ بدرجة أقل مدينة سُوسَه أو سُوسَا للنّطق الأصوب تلك الحواضر التي اشتملت على عائلات مرفّهة رفاهية ذلك الزّمن بحكم تمدّنها، فإنّ بقية البلاد التونسية وهم أغلبيّة السكّان كانوا قبائل موزّعة من شمالها إلى وسطها إلى جنوبها في البادية وبين الجبال وفي الصّحراء وقرب بعض الحواضر الصّغيرة والتي نسمّيها حواضر مجازا مثل بنزرت وباجه شمالا والقصرين وقفصة وسطا وقابس ومدنين جنوبا وبقايا مدن/دول لمعت في التاريخ وانطفأت مع دورته كالقيروان والمهدية وتوزر .
والسمة الغالبة على حال الناس، الفقر والجهل وأسباب عيش بلا معنى ،قبائل منهكة بالولاء والإقطاع والضرائب وزوايا ومقامات أولياء ويعيشون على شحّ الأرض وتجارة كاسدة مع غياب النّفع السّلطاني وخطر الغزوات بين بعضهم البعض .
وتجدر الإشارة هنا أنّ القبائل العربيّة التي تكوّن مجمل أهل تونس هم من الجزيرة العربيّة عدنانيّون من قبائل بني هلال وبني سُلَيْم بن منصور وما تتفرّع إليه هذه القبائل ذكرا لا حصرا من بني يزيد وبني همام وماجر وعيار وبني كعب ومرازيق وغيرهم.
على تلك الحال أواخر القرن التاسع عشر كانت البلاد/الدّولة منهكة بديون خارجيّة ممّا أغرى فرنسا بالاستحواذ عليها بدعوى حمايتها
فكان أن حرّرت يوم 1881/5/12 معاهدة في قصر الباي محمد الصّادق باي بمنطقة باردو بالعاصمة تونس سمّيت زورا وبهتانا معاهدة الحماية وبمقتضاها تقوم فرنسا بحماية عرش الباي وإدارة شؤون البلاد على جميع الأصعدة حتى الإدارية والوظيفية.
خلال مطالع النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر ولسوء ما وصلت إليه الأحوال شهدت البلاد محاولات وجهودا للإصلاح كان من أهمّها جهود الوزير المملوكي الأصل خير الدّين 1820/1890 الذي سجّله التاريخ في تونس واحدا من كبار المصلحين،فأنشئت المدرسة الصّادقية نسبة للباي محمد الصّادق باي فكانت بذرة جدّ هامّة في تكوين نخبة من رجال البلاد فيما بعد رغم بعدها الجغرافي وعدم قدرة عامّة الشّعب الالتحاق بها فكانت فائدتها لأهل المدن ممّا جعل نخبة البلاد المتخرّجة منها من خاصّة المدن وليست من عموم الشّعب ممّا سينتج لاحقا تفاوتا طبقيّا واجتماعيّا مقيتا يلقي بأكثر من ثلثي الشّعب التّونسي خارج خارطة حياة البلاد إلى يومنا هذا.
إلى جانب التوجّه إلى جهود التّعليم العصري، ينتصب بجامعته وفروعها الجامع الأعظم جامع الزّيتونة وهي أوّل جامعة تبنى في العالم الإسلامي على يد عبيد الله بن الحبحاب سنة 116 هجرية 736 ميلادية فكانت منارة للعلم والمعرفة وأنجبت العديد من كبار العلماء وعائلات العلم.
احتلّت فرنسا تونس فاشتعلت الأرض المقاوِمة تحت جنودها ومنذ البداية تصدّت لها قبائل خْمِيرْ من سكّان المنطقة الجبليّة من الشّمال الغربي للبلاد ثمّ امتدّت المقاومة عبر كامل الأرض من شمالها إلى ساحلها إلى وسطها إلى جنوبها فشهدت مدنها وقراها وجبالها وصحراؤها معارك دامية يذكرها التّاريخ ويطمسها السّاسة العابرون ، معارك بين جيش غاصب مكتمل العدّة والعتاد والتّكوين وشعب ثابت على أرضه لا يملك من أسباب الدّفاع غير أجساد أهله وقدر من العزيمة لا ينفد ووراثة ثأر لا ينطفئ
استولت فرنسا على البلاد بقوّة الحديد والنّار واستمرّ وقود المقاومة مشتعلا ليأخذ كلّ أشكاله مع مرور الزّمن فأنجبت الأرض أسماءها على مدى خمسة وسبعين عاما من الإستخراب والتقتيل والتّدمير لتخرج شكليّا آخر الأمر إلى وهم استقلال زائف، وقد كان من حصيلة الحقبة الفرنسيّة يوم خروج فرنسا صوريّا كلّ هذا الدّمار المادّي والمعنوي:
ــ بلاد خارج عصرها
ــ بلاد تُوهَمُ بدخول العصر من باب غيرها بتبعيّة مقيتة واستقلال كاذب
ــ حاكم متوقد الذّكاء وسياسيّ داهية مريب الطّويّة يخاطب في إحدى حواراته بعض مشايخ الزّيتونة متحدّثا عن الإسلام قائلا : أنا لا أراهن على حصان خاسر. رأى جهل الشّعب وولاء النّخبة وعجزها وطمعها فرأى نفسه إلها وسعى لها فكان من إنجازه في أرواح النّاس وشخصيّاتهم وعقولهم ما عجزت عنه قرون الخراب
ــ نخبة تدين بالولاء المطلق للمستخرب الفرنسي وثقافته
ــ نخبة مثقّفة خارج المعاصرة لا تتجاوز أناقتها الخارجيّة وطراوة أصابعها وحمرة خدودها وتمدينها الأجوف
ــ جماعات من اليهود ووافدي الشّاطئ الشّمالي من مالطيين وإيطاليين وصقليين ومعمّرين ينهبون أخصب البقاع، تركهم المستخرب أقرب إلى يتامى التّاريخ
ــ إرث ثقافيّ تنتجه المدينة بلا شخصيّة ولا مرجعيّة ولا روح
ـــ مشروع "هويّة تونسيّة" بلا معنى تخرج بالبلاد من عروبتها ومن إسلامها ومن أي انتماء ذي قيمة تقوده نخبة لا تمتّ للشعب ولا للتراب بأي سبب انتماء ، كلّ ما يسكن عقلها ويقود فكرها حبّ التحكّم وجشع المال والتملّك ومذلّتها للأجنبي ولو بحرق البلاد بمن يسكنها إلى يومنا هذا وهي اليوم أشدّ عدوانية على الشعب والبلاد وأقل حياء وأوفر مذلة للمال والنفوذ والأجنبي
ــ شعب حقيقي أعزل معزول ملقى في غيابات البلاد خارج الحواضرحيث اللاّشيء شعب معدّ للتّصفيق وتكوين الشُّــعَــبِ الحزبيّة ولبس المرقّع والعلاج ببركات الأولياء والزّعتر والتْــقُوفْتْ/
وللحديث بقيّة لا بدّ منها
جمال الصليعي -دوز -سبتمبر 2011
0 commentaires:
إرسال تعليق